فصل: ذكر خروج أولاد بختيار:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)



.ذكر تسليم الطائع إلى القادر وما فعله معه:

في هذه السنة، في رجب، سلم بهاء الدولة الطائع لله إلى القادر بالله، فأنزله حجرةً، من خاص حجره، ووكل به من ثقات خدمه من يقوم بخدمته، وأحسن ضيافته، وكان يطلب الزيادة في الخدمة كما كان أيام الخلافة، فيؤمر له بذلك.
حكي عنه أن القادر بالله أرسل إليه طيباً فقال: من هذا يتطيب أبو العباس؟ يعني القادر، فقالوا: نعم! فقال: قولوا له عني: في الموضع الفلاني كندوج أستعمله، فليرسل إلي بعضه ويأخذ الباقي لنفسه. ففعل ذلك. وأرسل إليه يوماً القادر بالله عدسية، فقال: ما هذا؟ فقالوا: عدس وسلق، فقال: أوقد أكل أبو العباس من هذا؟ نعم؛ قال: له عني: لما أردت أن تأكل عدسية لم اختفيت، فما كانت العدسية تعوزك، ولم تقلدت هذا الأمر؟ فأمر حينئذ القادر أن يفرد له جارية من طباخاته تطبخ له ما يلتمسه كل يوم؛ فأقام على هذا إلى أن توفي.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة قبض بهاء الدولة على أبي الحسن بن المعلم، وكان قد استولى على الأمور كلها، وخدمه الناس كلهم، حتى الوزراء، فأساء السيرة مع الناس، فشغب الجند في هذا الوقت، وشكوا منه، وطلبوا منه تسليمه إليهم، فراجعهم بهاء الدولة، ووعدهم كف يده عنهم، فلم يقبلوا منه، فقبض عليه وعلى جميع أصحابه، فظن أن الجند يرجعون، فلم يرجعوا، فسلمه إليهم، فسقوه السم مرتين، فلم يعمل فيه شيئاً، فخنقوه ودفنوه.
وفيها، في شوال، تجددت الفتنة بين أهل الكرخ وغيرهم، واشتد الحال، فركب أبو الفتح محمد بن الحسن الحاجب، فقتل وصلب، فسكن البلد.
وفيها غلت الأسعار ببغداد، فبيع رطل الخبز بأربعين درهماً.
وفيها قبض بهاء الدولة على وزيره أبي القاسم علي بن أحمد المذكور، وكان سبب قبضه أن بهاء الدولة اتهمه بمكاتبة الجند في أمر ابن المعلم، واستوزر أبا نصر بن سابور، وأبا منصور بن صالحان، جمع بينهما في الوزارة.
وفيها قبض صمصام الدولة على وزيره أبي القاسم العلاء بن الحسن بشيراز، وكان غالباً على أمره، وبقي محبوساً إلى سنة ثلاث وثمانين، فأخرجه صمصام الدولة واستوزره، وكان يدبر الأمر مدة حبسه أبو القاسم المدلجي.
وفيها نزل ملك الروم بأرمينية، وحصر خلاط، وملازكرد، وأرجيش، فضعفت نفوس الناس عنه، ثم هادنه أبو علي الحسن بن مروان مدة عشر سنين، وعاد ملك الروم.
وفيها، في شوال، ولد الأمير أبو الفضل بن القادر بالله.
وفيها سار بغراخان ايلك، ملك الترك، بعساكره إلى بخارى، فسير الأمير نوح بن منصور جيشاً كثيراً، ولقيهم ايلك وهزمهم، فعادوا إلى بخارى مفلولين، وهو في أثرهم، فخرج نوح بنفسه وسائر عسكره، ولقيه فاقتتلوا قتالاً شديداً وأجلت المعركة عن هزيمة ايلك، فعاد منهزماً إلى بلاساغون، وهي كرسي مملكته.
وفيها توفي أبو عمرو محمد بن العباس بن حسنويه الخزار، ومولده سنة خمس وتسعين ومائتين. ثم دخلت:

.سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة:

.ذكر خروج أولاد بختيار:

في هذه السنة ظهر أولاد بختيار من محبسهم، واستولوا على القلعة التي كانوا معتقلين بها.
وكان سبب حبسهم أن شرف الدولة أحسن إليهم، بعد والده، وأطلقهم، وأنزلهم بشيراز، وأقطعهم، فلما مات شرف الدولة حبسوا في قلعة ببلاد فارس، فاستمالوا مستحفظها ومن معه من الديلم، فأفرجوا عنهم، وأنفذوا إلى أهل تلك النواحي، وأكثرهم رجالة، فجمعوهم تحت القلعة.
وعرف صمصام الدولة الحال، فسير أبا علي بن أستاذ هرمز في عسكر، فلما قاربهم تفرق من معهم من الرجالة، وتحصن بنو بختيار، وكانوا ستة، ومن معهم من الديلم بالقلعة، وحصرهم أبو علي، وراسل أحد وجوه الديلم وأطمعه في الإحسان، فأصعدهم إلى القلعة سراً، فملكوها، وأخذوا أولاد بختيار أسراء، فأمر صمصام الدولة بقتل اثنين منهم وحبس الباقين، ففعل ذلك بهم.

.ذكر ملك صمصام الدولة خوزستان:

في هذه السنة ملك صمصام الدولة خوزستان.
وكان سبب نقض الصلح أن بهاء الدولة سير أبا العلاء عبدالله بن الفضل إلى الأهواز، وتقدم إليه بأن يكون مستعداً لقصد بلاد فارس، وأعلمه أنه يسير إليه العساكر متفرقين، فإذا اجتمعوا عنده سار بهم إلى بلاد فارس بغتةً، فلا يشعر صمصام الدولة إلا وهم معه في بلاده.
فسار أبو العلاء، ولم يتهيأ لبهاء الدولة إمداده بالعساكر، وظهر الخبر، فجهز صمصام الدولة عسكره وسيرهم إلى خوزستان، وكتب أبو العلاء إلى بهاء الدولة بالخبر وبطلب إمداده بالعساكر، فسير إليه عسكراً كثيراً، ووصلت عساكر فارس، فلقيهم أبو العلاء، فانهزم هو وأصحابه وأخذ أسيراً وحمل إلى صمصام الدولة، فألبس ثياباً مصبغة وطيف به، وسألت فيه والدة صمصام الدولة، فلم يقتله، واعتقله.
ولما سمع بهاء الدولة بذلك أزعجه وأقلقه، وكانت خزانته قد خلت من الأموال، فأرسل وزيره أبا نصر بن سابور إلى واسط ليحصل ما أمنه، وأعطاه رهوناً من الجواهر والأعلاق النفسية ليقترض عليها من مهذب الدولة، صاحب البطيحة، فلما وصل إلى واسط تقرب منها إلى مهذب الدولة، وترك ما معه من الرهون بحاله، وأرسل بهاء الدولة ورهنها واقترض عليها.

.ذكر ملك الترك بخارى:

في هذه السنة ملك مدينة بخارى شهاب الدولة هارون بن سليمان ايلك المعروف ببغراخان التركي، وكان له كاشغر وبلاساغون إلى حد الصين.
وكان سبب ذلك أن أبا الحسن بن سيمجور لما مات وولي ابنه أبو علي خراسان بعده، كاتب الأمير الرضي نوح بن منصور يطلب أن يقره على ما كان أبوه يتولاه، فأجيب إلى ذلك، وحملت إليه الخلع، وهو لا يشك أنها له، فلما بلغ الرسول طريق هراة عدل إليها، وبها فائق، فأوصل الخلع والعهد بخراسان إليه، فعلم أبو علي أنهم مكروا به، وأن هذا دليل سوء يريدونه به، فلبس فائق الخلع وسار عن هراة نحو أبي علي فبلغه الخبر، فسار جريدة في نخبة أصحابه، وطوى المنازل حتى سبق خبره، فأوقع بفائق فيما بين بوشنج وهراة، فهزم فائقاً وأصحابه، وقصدوا مرو الروذ.
وكتب أبو علي إلى الأمير نوح يجدد طلب ولاية خراسان، فأجابه إلى ذلك، وجمع له ولاية خراسان جميعها بعد أن كانت هراة لفائق، فعاد أبو علي إلى نيسابور ظافراً وجبى أموال خراسان، فكتب إليه نوح يستنزله عن بعضها ليصرفه في أرزاق جنده، فاعتذر إليه ولم يفعل، وخاف عاقبة المنع، فكتب إلى بغراخان المذكور يدعوه إلى أن يقصد بخارى ويملكها على السامانية، وأطمعه فيهم، واستقر الحال بينهما على أن يملك بغراخان ما وراء النهر كله، ويملك أبو علي خراسان، فطمع بغراخان في البلاد، وتجدد له إليها حركة.
وأما فائق فإنه أقام بمرو الروذ حتى انجبر كسره واجتمع إليه أصحابه وسار نحو بخارى من غير إذن، فارتاب الأمير نوح به، فسير إليه الجيوش وأمرهم بمنعه، فلما لقوه قاتلوه، فانهزم فائق وأصحابه، وعاد على عقبيه، وقصد ترمذ. فكتب الأمير نوح إلى صاحب الجوزجان من قبله، وهو أبو الحرث أحمد بن محمد الفريغوني، وأمره بقصد فائق، فجمع جمعاً كثيراً وسار نحوه، فأوقع بهم فائق فهزمهم وغنم أموالهم.
وكاتب أيضاً بغراخان يطمعه في البلاد، فسار نحو بخارى، وقصد بلاد السامانية، فاستولى عليها شيئاً بعد شيء. فسير إليه نوح جيشاً كثيراً، واستعمل عليهم قائداً كبيراً من قواده اسمه انج، فلقيهم بغراخان، فهزمهم وأسر انج وجماعة من القواد، فلما ظفر بهم قوي طمعه في البلاد، وضعف نوح وأصحابه، وكاتب الأمير نوح أبا علي بن سيمجور يستنصره، ويأمره بالقدوم إليه بالعساكر، فلم يجبه إلى ذلك، ولا لبى دعوته، وقوي طمعه في الاستيلاء على خراسان.
وسار بغراخان نحو بخارى، فلقيه فائق، واختص به، وصار في جملته، ونازلوا بخارى، فاختفى الأمير نوح، وملكها بغراخان ونزلها، وخرج نوح منها مستخفياً فعبر النهر إلى آمل الشط، وأقام بها، ولحق به أصحابه، فاجتمع عنده منهم جمع كثير، وأقاموا هناك.
وتابع نوحٌ كتبه إلى أبي علي ورسله يستنجده ويخضع له، فلم يصغ إلى ذلك. وأما فائق فإنه استأذن بغراخان في قصد بلخ والاستيلاء عليها، فأمره بذلك، فسار نحوها ونزلها.

.ذكر عود نوح إلى بخارى وموت بغراخان:

لما نزل بغراخان بخارى وأقام بها استوخمها، فلحقه مرض ثقيل، فانتقل عنها نحو بلاد الترك، فلما فارقها ثار أهلها بساقة عسكره ففتكوا بهم وغنموا أموالهم، ووافقهم الأتراك الغزية على النهب والقتل لعسكر بغراخان.
فلما سار بغراخان عن بخارى أدركه أجله فمات، ولما سمع الأمير نوح بمسيره عن بخارى بادر إليها فيمن معه من أصحابه، فدخلها، وعاد إلى دار ملكه وملك آبائه، وفرح أهلها به وتباشروا بقدومه.
وأما بغراخان فإنه لما مات عاد أصحابه إلى بلادهم، وكان ديناً، خيراً، عادلاً، حسن السيرة، محباً للعلماء وأهل الدين، مكرماً لهم، وكان يحب أن يكتب عنه: مولى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وولي أمر الترك بعده أيلك خان.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة كثر شغب الديلم على بهاء الدولة، ونهبوا دار الوزير أبي نصر ابن سابور، واختفى منهم، واستعفى ابن صالحان من الأنفراد بالوزارة فأعفي، واستوزر أبا القاسم علي بن أحمد، ثم هرب، وعاد سابور إلى الوزارة بعد أن أصلح الديلم.
وفيها جلس القادر بالله لأهل خراسان، بعد عودهم من الحج، وقال لهم في معنى الخطبة له، وحملوا رسالة وكتباً إلى صاحب خراسان في المعنى.
وفيها عقد النكاح للقادر على بنت بهاء الدولة بصداق مبلغه مائة ألف دينار، وكان العقد بحضرته، والولي النقيب أبو أحمد الحسين بن موسى، والد الرضي، وماتت قبل النقلة.
وفيها كان بالعراق غلاء شديد فبيعت كارة الدقيق بمائتين وستين درهماً، وكر الحنطة بستة آلاف وستمائة درهم غياتية. وفيها بنى أبو نصر سابور بن أردشير ببغداد داراً للعلم، ووقف فيها كتباً كثيرة على المسلمين المنتفعين بها.
وفيها توفي أبو الحسن علي بن محمد بن سهل الماسرجسي، الفقيه الشافعي، شيخ أبي الطيب الطبري بنيسابور، وأبو بكر محمد بن العباس الخوارزمي الشاعر.
وأبو طالب عبد السلام بن الحسن المأموني، وهو من أولاد المأمون، وكان فاضلاً حسن الشعر. ثم دخلت:

.سنة أربع وثمانين وثلاثمائة:

.ذكر ولاية محمود بن سبكتكين خراسان وإجلاء أبي علي عنها:

في هذه السنة ولى الأمير نوح محمود بن سبكتكين خراسان وكان سبب ذلك أن نوحاً لما عاد إلى بخارى، على ما تقدم ذكره، سقط في يد أبي علي، وندم على ما فرط فيه من ترك معونته عند حاجته إليه.
وأما فائق فإنه لما استقر نوح ببخارى حدث نفسه بالمسير إليه، والاستيلاء عليه، والحكم في دولته، فسار عن بلخ إلى بخارى. فلما علم نوح بذلك سير إليه الجيوش لترده عن ذلك، فلقوه واقتتلوا قتالاً شديداً، فانهزم فائق وأصحابه، ولحقوا بأبي علي، ففرح بهم، وقوي جنانه بقربهم، واتفقوا على مكاشفة الأمير نوح بالعصيان، فلما فعلوا ذلك كتب الأمير نوح إلى سبكتكين، وهو حينئذ بغزنة، يعرفه الحال، ويأمره بالمسير إليه لينجده، وولاه خراسان.
وكان سبكتكين في هذه الفتن مشغولاً بالغزو، غير ملتفت إلى ما هم فيه، فلما أتاه كتاب نوح ورسوله أجابه إلى ما أراد، وسار نحو جريدة، واجتمع به، وقررا بينهما ما يفعلانه، وعاد سبكتكين فجمع العساكر وحشد. فلما بلغ أبا علي وفائقاً الخبر جمعا، وراسلا فخر الدولة بن بويه يستنجدانه، ويطلبان منه عسكراً، فأجابهما إلى ذلك، وسير إليهما عسكراً كثيراً، وكان وزيره الصاحب بن عباد هو الذي قرر القاعدة في ذلك.
وسار سبكتكين من غزنة، ومعه ولده محمود، نحو خراسان، وسار نوح فاجتمع هو وسبكتكين، فقصدوا أبا علي وفائقاً، فالتقوا بنواحي هراة، واقتتلوا، فانحاز دارا بن قابوس بن وشمكير من عسكر أبي علي إلى نوح ومعه أصحابه، فانهزم أصحاب أبي علي، وركبهم أصحاب سبكتكين يأسرون، ويقتلون، ويغنمون، وعاد أبو علي وفائق نحو نيسابور، وأقام سبكتكين ونوح بظاهر هراة حتى استراحوا وساروا نحو نيسابور، فلما علم بهم أبو علي سار هو وفائق نحو جرجان، وكتبا إلى فخر الدولة بخبرهما، فأرسل إليهما الهدايا والتحف والأموال، وأنزلهما بجرجان.
واستولى نوح على نيسابور، واستعمل عليها وعلى جيوش خراسان محمود بن سبكتكين، ولقبه سيف الدولة، ولقب أباه سبكتكين ناصر الدولة، فأحسنا السيرة، وعاد نوح إلى بخارى وسبكتكين إلى هراة وأقام محمود بنيسابور.

.ذكر عود الأهواز إلى بهاء الدولة:

في هذه السنة ملك بهاء الدولة الأهواز.
وكان سببه أنه أنفذ عسكراً إليها، عدتهم سبع مائة رجل، وقدم عليهم طغان التركي، فلما بلغوا السوس رحل عنها أصحاب صمصام الدولة، فدخلها عسكر بهاء الدولة، وانتشروا في أعمال خوزستان، وكان أكثرهم من الترك، فعلت كلمتهم على الديلم، وتوجه صمصام الدولة إلى الأهواز ومعه عساكر الديلم وتميم وأسد. فلما بلغ تستر رحل ليلاً ليكبس الأتراك من عسكر بهاء الدولة، فضل الأدلاء في الطريق، فأصبح على بعدٍ منهم، ورأتهم طلائع الأتراك، فعادوا بالخبر، فحذروا، واجتمعوا، واصطفوا، وجعل مقدمهم، واسمه طغان، كميناً، فلما التقوا واقتتلوا خرج الكمين على الديلم، فكانت الهزيمة، وانهزم صمصام الدولة ومن معه من الديلم، وكانوا ألوفاً كثيرة، واستأمن منهم أكثر من ألفي رجل، وغنم الأتراك من أثقالهم شيئاً كثيراً.
وضرب طغان للمستأمنة خيماً يسكنونها، فلما نزلوا اجتمع الأتراك وتشاوروا وقالوا: هؤلاء أكثر من عدتنا، ونحن نخاف أن يثوروا بنا؛ واستقر رأيهم على قتلهم، فلم يشعر الديلم إلا وقد ألقيت الخيام عليهم، ووقع الأتراك فيهم بالعمد حتى أتوا عليهم فقتلوا كلهم.
وورد الخبر على بهاء الدولة، وهو بواسط، قد اقترض مالاً من مهذب الدولة، فلما سمع ذلك سار إلى الأهواز، وكان طغان والأتراك قد ملكوها قبل وصوله إليها.
وأما صمصام الدولة فإنه لبس السواد وسار إلى شيراز فدخلها، فغيرت والدته ما عليه من السواد، وأقام يتجهز للعود إلى أخيه بهاء الدولة بخوزستان.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة عقد النكاح لمهذب الدولة على ابنة بهاء الدولة، وللأمير أبي منصور بويه بن بهاء الدولة على ابنة مهذب الدولة، وكان الصداق من كل جانب مائة ألف دينار.
وفيها قبض بهاء الدولة على أبي نصر خواشاذه.
وفيها عاد الحجاج من الثعلبية، ولم يحج من العراق والشام أحد، وسبب عودهم أن الأصيفر، أمير العرب، اعترضهم وقال: إن الدراهم التي أرسلها السلطان عام أول كانت نقرة مطلية، وأريد العوض؛ فطالت المخاطبة والمراسلة وضاق الوقت على الحجاج فرجعوا.
وفيها توفي أبو القاسم النقيب الزينبي، وولي النقابة بعده ابنه أبو الحسن.
وفيها ولي نقابة الطالبيين أبو الحسن النهرسابسي، وعزل عنها أبو أحمد الموسوي، وكان ينوب عنه فيها ابناه المرتضى والرضي.
وفيها توفي عبدالله بن محمد بن نافع بن مكرم أبو العباس البستي الزاهد، وكان من الصالحين، حج من نيسابور ماشياً، وبقي سبعين سنة لا يستند إلى حائط ولا إلى مخدة؛ وعلي بن الحسين بن جموية بن زيد أبو الحسين الصوفي، سمع الحديث، وحدث وصحب أبا الخير الأقطع وغيره، وعلي ابن عيسى بن علي بن عبدالله أبو الحسن النحوي المعروف بالرماني، ومولده سنة ست وتسعين ومائتين، روى عن أبن دريد وغيره، وله تفسير كبير؛ ومحمد بن العباس بن أحمد بن القزاز أبو الحسن، سمع الكثير، وكتب الكثير، وخطه حجة في صحة النقل وجودة الضبط؛ وأبو عبيدالله محمد بن عمران المرزباني الكاتب؛ والمحسن بن علي بن علي بن محمد بن أبي الفهم أبو علي التنوخي القاضي، ومولده سنة سبع وعشرين وثلاثمائة، وكان فاضلاً.
وفيها توفي أبو إسحاق إبراهيم بن هلال الصابي، الكاتب المشهور، وكان عمره إحدى وتسعين سنة، وكان قد زمن، وضاقت به الأمور، وقلت عليه الأموال.
وفيها اشتد أمر العيارين ببغداد، ووقعت الفتنة بين أهل الكرخ وأهل باب البصرة، واحترق كثير من المحال، ثم اصطلحوا. ثم دخلت:

.سنة خمس وثمانين وثلاثمائة:

.ذكر عود أبي علي إلى خراسان:

لما عاد الأمير نوح إلى بخارى، وسبكتكين إلى هراة، وبقي محمود بنيسابور، طمع أبو علي وفائق في خراسان، فسارا عن جرجان إلى نيسابور في ربيع الأول، فلما بلغ محموداً خبرهما كتب إلى أبيه بذلك، وبرز هو فنزل بظاهر نيسابور وأقام ينتظر المدد، فأعجلاه، فصبر لهما، فقاتلاه، وكان في قلة من الرجال، فانهزم عنهما نحو أبيه، وغنم أصحابهما منه شيئاً كثيراً، وأشار أصحاب أبي علي عليه باتباعه، وإعجاله ووالده عن الجميع والاحتشاد، فلم يفعل، وأقام بنيسابور، وكاتب الأمير نوحاً يستميله، ويستقيل من عثرته وزلته، وكذلك كاتب سبكتكين بمثل ذلك، وأحال بما جرى على فائق، فلم يجيباه إلى ما أراد.
وجمع سبكتكين العساكر، فأتوه على كل صعبٍ وذلولٍ، وسار نحو أبي علي، فالتقوا بطوس في جمادى الآخرة، فاقتتلوا عامة يومهم، وأتاهم محمود بن سبكتكين في عسكر ضخم من ورائهم، فانهزموا وقتل من أصحابهم خلق كثير، ونجا أبو علي وفائق، فقصدا أبيورد، فتبعهم سبكتكين، واستخلف ابنه محموداً بنيسابور، فقصدا مرو ثم آمل الشط، وراسلا الأمير نوحاً يستعطفانه، فأجاب أبا علي إلى ما طلب من قبول عذره إن فارق فائقاً ونزل بالجرجانية، ففعل ذلك، فحذره فائق، وخوفه من مكيدتهم به ومكرهم، فلم يلتفت لأمر يريده الله، عز وجل، ففارق فائقاً وسار نحو الجرجانية فنزل بقرية بقرب خوارزم تسمى هزار أس، فأرسل إليه أبو عبدالله خوارزمشاه من أقام له ضيافة، ووعده أنه يقصده ليجتمع به، فسكن إلى ذلك.
فلما كان الليل أرسل إليه خوارزمشاه جمعاً من عسكره فأحاطوا به وأخذوه أسيراً في رمضان من هذه السنة، فاعتقله في بعض دوره، وطلب أصحابه، فأسر أعيانهم وتفرق الباقون.
وأما فائق فإنه سار إلى ايلك خان بما وراء النهر، فأكرمه وعظمه، ووعده أن يعيده إلى قاعدته، وكتب إلى نوح يشفع في فائق وأن يولى سمرقند، فأجابه إلى ذلك، وأقام بها.

.ذكر خلاص أبي علي وقتل خوارزمشاه:

لما أسر أبو علي بلغ خبره إلى مأمون بن محمد، والي الجرجانية، فقلق لذلك وعظم عليه، وجمع عساكره وسار نحو خوارزمشاه، وعبر إلى كاث، وهي مدينة خوارزمشاه، فحصروها وقاتلوها، وفتحوها عنوةً، وأسروا أبا عبدالله خورازمشاه، وأحضروا أبا علي ففكوا عنه قيده وأخذوه وعادوا إلى الجرجانية، واستخلف مأمون بخوارزم بعض أصحابه، وصارت في جملة ما بيده، وأحضر خوارزمشاه وقتله بين يدي أبي علي بن سيمجور.

.ذكر قبض أبي علي بن سيمجور وموته:

لما حصل أبو علي عند مأمون بن محمد بالجرجانية كتب إلى الأمير نوح يشفع فيه، ويسأل الصفح عنه، فأجيب إلى ذلك، وأمر أبا علي بالمسير إلى بخارى، فسار إليها فيمن بقي معه من أهله وأصحابه، فلما بلغوا بخارى لقيهم الأمراء والعساكر، فلما دخلوا على الأمير نوح أمر بالقبض عليهم.
وبلغ سبكتكين أن ابن عزير، وزير الأمير نوح، يسعى في خلاص أبي علي، فأرسل إليه يطلب أبا علي إليه، فحبسه، فمات في حبسه سنة سبع وثمانين وثلاثمائة، وكان ذلك خاتمة أمره، وآخر حال بيت سيمجور جزاءً لكفران إحسان مولاهم، فتبارك الحي الدائم الباقي الذي لا يزول ملكه.
وكان ابنه أبو الحسن قد لحق بفخر الدولة بن بويه، فأحسن إليه وأكرمه، فسار عنه سراً إلى خراسان لهوىً كان له بها، وظن أن أمره يخفى، فظهر حاله، فأخذ أسيراً وسجن عند والده.
وأما أبو القاسم أخو أبي علي فإنه أقام في خدمة سبكتكين مدة يسيرة، ثم ظهر منه خلاف الطاعة، وقصد نيسابور، فلم يتم له ما أراد، وعاد محمود ابن سبكتكين إليه، فهرب منه وقصد فخر الدولة وبقي عنده، وسيرد باقي أخباره، إن شاء الله تعالى.

.ذكر وفاة الصاحب بن عباد:

في هذه السنة مات الصاحب أبو القاسم إسماعيل بن عباد، وزير فخر الدولة بالري، وكان واحد زمانه علماً، وفضلاً، وتدبيراً، وجودة رأي، وكرماً، عالماً بأنواع العلوم، عارفاً بالكتابة وموادها، ورسائله مشهورة مدونة، وجمع من الكتب ما لم يجمعه غيره، حتى إنه كان يحتاج في نقلها إلى أربع مائة جمل.
ولما مات وزر بعده لفخر الدولة أبو العباس أحمد بن إبراهيم الضبي الملقب بالكافي.
ولما حضره الموت قال لفخر الدولة: قد خدمتك خدمةً استفرغت فيها وسعي، وسرت سيرةً جلبت لك حسن الذكر، فإن أجريت الأمور على ما كانت عليه نسب ذلك الجميل إليك وتركت أنا، وإن عدلت عنه كنت أنا المشكور ونسبت الطريقة الثانية إليك، وقدح ذلك في دولتك. فكان هذا نصحه له إلى أن مات.
فلما توفي أنفذ فخر الدولة من احتاط على ماله وداره، ونقل جميع ما فيها إليه، فقبح الله خدمة الملوك، هذا فعلهم مع من نصح لهم، فكيف مع غيره! ونقل الصاحب بعد ذلك إلى أصبهان، وكثير ما بين فعل فخر الدولة مع ابن عباد وبين العزيز بالله العلوي مع وزيره يعقوب بن كلس وقد تقدم.
وكان الصاحب بن عباد قد أحسن إلى القاضي عبد الجبار بن أحمد المعتزلي، وقدمه، وولاه قضاء الري وأعمالها، فلما توفي قال عبد الجبار: لا أرى الترحم عليه، لأنه مات عن غير توبة ظهرت منه، فنسب عبد الجبار إلى قلة الوفاء.
ثم إن فخر الدولة قبض على عبد الجبار وصادره، فباع في جملة ما باع ألف طيلسان، وألف ثوب صوف رفيع، فلم لا نظر لنفسه، وتاب عن أخذ مثل هذا واذخاره من غير حله؟ ثم إن فخر الدولة قبض على أصحاب ابن عباد وأبطل كل مسامحة كانت منه، وقرر هو ووزراؤه المصادرات في البلاد، فاجتمع له منها شيء كثير، ثم تمزق بعد وفاته في أقرب مدة، وحصل بالوزر وسوء الذكر.